أصدر مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية (المرصد)، دراسة جديدة حول الأثر المتباين لأزمات ارتفاع الأسعار بين الفقراء والأغنياء، جاءت بعنوان: ” اَلنَّاجُونَ مِنْ اَلْأَزْمَةِ: اَلتُّجَّارُ وَالْمَصْرِفِيُّونَ!”. أوضحت الدراسة أن الفئات الضعيفة والمهمشة تعاني بشكل أكبر، وعلى مدى زمني أطول، من الآثار السلبية للأزمات الاقتصادية، تصل أحياناً حدود يتحول فيها الفقر إلى مسألة تتعلق بالحياة والموت، فالنفوذ وامتلاك مصادر القوة والاحتكار والتحكم بالموارد الاقتصادية، جعل الآثار والأعباء أكثر حدة على الفقراء، مما تمثل في انعدام العدالة في توزيع الدخل بين الفقراء والأغنياء، وفاقم مشكلة البؤس والحرمان لمن لا يمتلكون مقومات وموارد تتعلق بالقدرة على الاستجابة والتأقلم مع الأزمات، التي رافقها مزيد من التراكم الرأسمالي في أيدي فئات محدودة على المستويات المحلية والخارجية، المتحالفة فيما بينها بتقاطع المصالح.
وأشارت الدراسة إلى أن حوالي 50% من دخل الفقراء ينفق على المواد الغذائية، وبإضافة ما ينفق على المسكن والملبس والمواصلات تنفق الأسر الفقيرة حوالي 70% من دخلها على هذه المجموعات، بينما ينفق الفقراء 50% من دخلهم على الغذاء وتنفق الأسر الغنية 20% فقط. هذا لا يعني أن الفقراء يأكلون أكثر، على سبيل المثال الأسرة التي يصل دخلها إلى 10,000 شيقل تنفق 2,000 شيقل على الطعام، وبالتالي يتبقى 80% من دخلها لبقية السلع والخدمات، وهو ما قيمته 8,000 شيقل، بالمقابل أسرة فقيرة بنفس عدد الأفراد دخلها 2,000 شيقل تعني إنفاق 1,000 شيقل على الطعام، وهذا يعني أن الأسر الفقيرة تستهلك طعاماً أقل رغم أنه يستحوذ على نسبة أكبر من دخلها. وإذا ما أضيفت باقي السلع الأساسية، سيستنفذ معظم دخل الأسر الفقيرة، بالمقابل الأسر الغنية تلبي احتياجات أساسية أكبر بمبالغ مالية أعلى ولكنها تمثل نسبة قليلة من دخلها، أي أن ما يتبقى من الدخل لبقية السلع والخدمات خاصة الترفيهية والكمالية كبير، يمكنّها من التمتع بمستوى رفاه عال. وبالتالي ارتفاع أسعار السلع الأساسية، الذي كان دائما أعلى وأكثر حدة على الفقراء.
وأوضحت الورقة أنه وخلال ال 25 سنة الماضية، ارتفعت الأسعار في فلسطين بحوالي 100%، وخلال أزمة الغذاء العالمي عام 2008 ارتفعت الأسعار بحوالي 10% خلال عام واحد، وفي العام 2022 ارتفعت الأسعار بحوالي 4%، وخلال نفس العام، ارتفع متوسط الأجر اليومي في فلسطين من 77 شيقلاً إلى 78 شيقلاً فقط، أي شبه ثابت. وفي الوقت الذي أدى فيه ارتفاع الأسعار إلى عدم قدرة الأسر الفقيرة على تلبية احتياجاتها إلا أن ذلك راكم أرباح التجار والوكلاء.
من يستورد التضخم ومن يدفع ثمنه؟
تطرح الورقة تساؤلاً حول من يستورد التضخم ومن يدفع ثمنه، وأشارت إلى أنه بالرغم من التلويح بانتهاج استراتيجيات الفكاك من الاعتمادية والتبعية، إلا أن واقع الحال يشير إلى استمرار اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على حوالي % 70 إلى 75 % من الواردات لتلبية الاحتياجات المحلية، بالتالي مصدر التضخم في الأراضي الفلسطينية بالأساس مستورد، ولا تفلح السياسات النقدية والمالية التقليدية في كبح جماح ارتفاع الأسعار، حيث يعاني الاقتصاد الفلسطيني من درجة عالية من الاعتمادية والتبعية في تلبية الاحتياجات، جعلته عرضة لحالة من عدم الاستقرار وغير قادر على التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، ويحد من فعالية السياسات المحلية للمعالجة، وتبخر دخل المواطن الفلسطيني عندما وضع بين فكي كماشة ارتفاع الأسعار ورفع أسعار الفائدة من قبل البنوك التجارية كاستجابة لرفع أسعار الفائدة العالمية، إذ فوجئ مقترضون مطلع شهر كانون الثاني الجاري، خصوصاً المقترضون بعملة الدولار، بزيادات كبيرة على أقساطهم بعضهم بمئات الدولارات، جراء رفع البنوك سعر الفائدة بنسب تصل 4%، إضافة إلى سعر الفائدة الأصلي المتعاقد عليه. وجاء ذلك بادعاء استخدام سياسات تحد من أثر التضخم، الذي لن تجدي معه المعالجات المحلية لأنه ليس محليا بالأساس، حقيقة الأمر أن الأزمة أفرغت جيوب المواطنين وراكمت أرباح البنوك.
اَلنَّاجُونَ مِنْ اَلْأَزْمَةِ: اَلتُّجَّارُ وَالْمَصْرِفِيُّونَ!”
